|


دحام.. موهوب نفض غبار اليأس وسطع في محفل الجيران

الرياض ـ إبراهيم الأنصاري 2024.12.28 | 02:46 pm

أبت الكويت إلا أن تكون وفية لعادتها في المحافل الخليجية، كيف لا وهي سيدة البطولة وحاملة الرقم القياسي في عدد الألقاب، ولم ترض سوى أن تظهر للعالم موهبة جديدة ولامعة تعيد ذكرى أساطيرها الكبار، أمثال جاسم يعقوب، وبشار عبد الله، وبدر المطوع، والبقية، وكان محمد دحام العنزي مفاجأة البطولة ونجمها الساطع وهدية الأزرق لجماهيره الوفية، يتباهون به بين جيرانهم في محفل أشقاء البيت الواحد.
في مطلع القرن الجديد أبصر محمد دحام العنزي النور في 17 فبراير من العام 2000 من عائلة بسيطة لا تعرف الكثير عن عالم كرة القدم.
منذ البداية أغرم الطفل الصغير بحب الجلد المدور، وشغف قلبه بحب اللعبة التي مارسها في شوارع الحارة، إذ كانت اللحظة الأجمل في طفولته هي تلك التي تطأ فيها قدماه خارج المنزل نحو الشارع، للعب كرة القدم، ويحارب من أجل فريقه كمن يحارب عن مدينته، ويتشاجر مع الأصدقاء دون حساب، بحثًا عن الانتصار، قضى طفولته يداعب الكرة في الحي والأزقة باحثًا عن الشغف والمتعة، التي لا يجدها سوى في الساحرة المستديرة.
لم تكن الموهبة، التي تميز بها العنزي، تخطؤها العين، وكان نادي النصر الكويتي، الملقب بالعنابي، السباق إلى خطفه والتعاقد معه.
وقبل إتمامه 20 عامًا، كان دحام، الجناح الأيسر، رسَّخ قدميه بالفعل مع فريق النصر، صاحب الرداء العنابي، الذي يتَّخذ من محافظة الفروانية، معقلًا له.
ووصل اللاعب إلى الذروة موسم 2022ـ2023 الذي أنهاه متوَّجًا بجائزة أفضل لاعبي الدوري الكويتي، على الرغم من احتلال فريقه المركز الثامن من أصل عشرة أنديةٍ مشاركةٍ في البطولة.
وفي كأس الاتحاد، قاد الجناح الصاعد فريقه للإطاحة بالكويت من دور الأربعة بفضل تسجيله هدفَ تعادلٍ، حوَّل المباراة إلى ركلات الترجيح التي ابتسمت للنصر، ثم كرَّر السيناريو ذاته خلال المباراة النهائية أمام العربي، مهديًا «العنابي» اللقب.
في أبريل من العام 2022 تلقى الفتى الموهوب عرضًا لا يقدر بثمن من نادي الخالدية البحريني، الذي حاول الظفر بخدمات الشاب، صاحب الـ22 ربيعًا حينها، بعقد يمتد لخمسة أعوام.
وافقت إدارة النصر على العرض البحريني، وحزم الشاب حقائبه باتجاه البلد الجار، وحلم الاحتراف يداعبه، وودع والديه وأصدقاءه في بلده، وهو يعيش نشوة الحلم الذي تحول إلى حقيقة.
لم تمض الأمور على ما يرام، وتعطلت الصفقة في اللحظات الأخيرة، وعاد العنزي إلى الكويت بخيبة أمل وإحباط ومرارة كبيرة من تبخر الحلم، الذي طال انتظاره، ولكن الأقدار كانت تخبئ له الكثير بعد عودته إلى بلد طفولته الكويت.
لملم الشاب اليافع جراحه، واستعاد رباطة جأشه، ولم يدع اليأس يتسلل إليه، بعد أن عَجَّتْ بقلبه دماءُ الشَّبابِ، وضجت بصدره رياحٌ أُخَرْ، وعاد إلى «الفروانية» مقر ناديه السابق النصر، الذي انتظم في صفوفه مجددًا وكله طموح يتمثل بالبيت العربي الشهير: «إِذا مَا طَمحْتُ إلى غايةٍ رَكِبتُ المنى ونَسيتُ الحَذرْ ولم أتجنَّبْ وُعورَ الشِّعابِ ولا كُبَّةَ اللَّهَبِ المُستَعِرْ».
أيقظ تعثر صفقة انتقال العنزي إلى الفريق البحريني المسؤولين الكويتيين من غفوتهم بعد أن كادت بلادهم تفقد موهبة نقية، فسارعوا إلى محاولة تصحيح الخطأ، وتنافست الأندية المحلية للظفر بخدمات اللاعب الشاب البارع، ونجح نادي الكويت في التوقيع معه بمبلغ مالي كبير، إلى جانب سيارة وبدل سكن.
كان البرتغالي روي بينتو، مدرب المنتخب الكويتي السابق، أول الفرحين بالخبر، وسارع إلى اختيار الفتى الموهوب في قائمته للتصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم 2026، التي لم يخيب فيها العنزي الآمال، وكان على قدر الرهان بعدما شارك الجناح الشاب في 18 مباراةً بقميص «الأزرق»، وسجَّل خمسة أهدافٍ، وصنع مثلها.
وجاءت أربعةٌ من أهدافه الخمسة في التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم 2026، واثنان ضمن الدور الحاسم، أهدى آخرهما للكويت نقطة التعادل مع الأردن «1ـ1» لحساب الجولة السادسة.
في مطلع ديسمبر الجاري، تقدم محمد دحام القائمة النهائية، التي استدعاها الأرجنتيني خوان أنطونيو بيتزي، مدرب المنتخب الكويتي الجديد، لخوض غمار «خليجي 26» في بلاده، التي برهن خلالها دحام على أنه موهبة لا تقدر بثمن، بعد أن قاد الأزرق إلى بلوغ الدور الثاني بإحرازه هدفين في دور المجموعات، كانت حاسمة في عبور الكويت إلى نصف النهائي الخليجي.
اليوم في الكويت يعيش الشارع الرياضي أيامًا لا تنسى بعد أن استعاد دحام ورفاقه القليل من هيبة قميص الأزرق المتزعم على عرش البطولة الخليجية بعشرة ألقاب، وعينهم على اللقب الحادي عشر.