كوناتي.. بوركيني واجه الغربة والصقيع.. وارتبط بالحسناء

لم يعصِ البوركيني محمد كوناتي، لاعب فريق الرياض الأول لكرة القدم، والده سوى مرة وحيدة في حياته عندما قرَّر أن يصبح لاعبًا محترفًا على عكس رغبة أبيه الشيخ الوقور الذي لا يرى في الجلد المدور سوى لعبة يتسلى بها الصغار، ناصحًا ابنه البكر أن يسلك المسار العسكري ويتولى وظيفة شرطي.
في مدينة أودينيه شمال غرب كوت ديفوار التي أسسها الشعب الماندينجي، أحد أكبر العرقيات في القارة السمراء، والمدينة الشهيرة بزراعة الكاجو، ولد محمد كوناتي في 12 ديسمبر عام 1997، وتربى مع شقيقه على صرامة وحدة والده التي تركز على التعاليم الدينية للإسلام وعليهما اتباعها وتنفيذها بحذافيرها.
يقول كوناتي عن تربية والده الصارمة: كل الأفارقة لديهم آباء صارمون. إنهم يخبرونك بشيء ما، ولكنك لا تستطيع حتى رفع رأسك، ناهيك عن قول كلمة واحدة. فقط استمع، الخوف والاحترام شيئان مختلفان، كنت أعلم أنه إذا فعلت شيئًا خاطئًا، فسوف أغضب والدي، وسيكون من الواضح ما سيفعله بي. هكذا تعلمت التصرف بشكل صحيح، حتى الآن، أنا وأخي لا نزال نفعل هذا، نذهب إلى والدنا ونجلس بصمت ونستمع فقط.
لم تثنِ صرامة الأب وجديته الابن عن مداعبة كرة القدم في أوقات الفراغ وخارج أوقات الفراغ أيضًا، ما جعله يدفع الثمن كثيرًا ويعاقبه والده بالضرب المبرح الذي لا ينساه حتى الآن.
في سن المراهقة رفض محمد الامتثال لنصيحة والده وقرَّر أن يصبح لاعبًا محترفًا على عكس رغبة أبيه، الذي أصرَّ عليه أن يتجه إلى الشرطة، يقول كوناتي عن تلك الحقبة: «رفض أبي وأمي أن أحترف كرة القدم، لأن أخي كان قد لعبها بالفعل ولم ينجح، أصرَّ أبي على الانضمام إلى الشرطة، وقال إنه يعرف الكثير من الأشخاص الذين يمكنهم مساعدتي وترتيب الأمور لي، لكنني رفضت رفضًا قاطعًا وأصررت على لعب كرة القدم».
بدأ كوناتي مسيرته الكروية مع نادي مدينته المعروف باسم دينجلي، قبل أن يخوض أولى تجاربه الاحترافية خارج بلاده مع نادي ساكسان المولود عام 2016. في أغسطس من العام نفسه، انضم كوناتي إلى نادي أورال يكاترينبورج الروسي، حيث لعب أول مباراة له في البطولة الروسية ضد أنجي ماخاتشكالا.
بعد خمس مباريات فقط مع نادي أورال يكاترينبورج، ترك كوناتي النادي في فبراير 2017، بحثًا عن مزيد من وقت اللعب، ثم انضم إلى نادي بابيت اللاتفي، حيث سجَّل هدفًا في أول مباراة له، بعد ذلك انضم إلى نادي كايرات الكازاخستاني، قبل أن ينتقل إلى نادي جوميل في بيلاروسيا عام 2018.
في يوليو 2018، انضم كوناتي إلى النادي الأرميني بيونيك يريفان، قبل أن يترك النادي في نهاية الموسم، بعد ذلك عاد إلى روسيا وانتقل إلى نادي إف كي تامبوف، قبل أن ينتقل إلى نادي خيمكي.
بعد شهرين في عام 2021 انضم كوناتي إلى نادي أحمد غروزني، قبل أن ينتقل إلى نادي الرياض السعودي في أغسطس 2024.
عانى الشاب، الذي يحمل الجنسيتين البوركينية والإيفوارية، بسبب أقارب والده في البلدين، من الغربة وصعوبة التأقلم مع الأجواء شديدة البرودة في بلدان روسيا والشيشان ومولدوفا وبيلاروسيا وكأن قدره ارتبط بأكثر البلدان برودة على سطح الأرض.
في عام 2021 خطفت الروسية كريستينا، عارضة الأزياء، قلب الفتى الأسمر القادم من أقاصي القارة السمراء ولم تتوقع الحسناء الروسية في يوم من الأيام أن يكون حفل زفافها في مدينة أبيدجان، العاصمة الإيفوارية.
يقول كوناتي عن زوجته الروسية: «عندما كنت ألعب في نادي خيمكي الروسي. بدأت التواصل مع كريستينا عبر الرسائل المباشرة، ثم التقيت بها، وأسهم اعتناقها الإسلام في تسريع أمور الزواج، التي تمت سريعًا في إفريقيا، في قريتي بالقرب من أبيدجان، حيث خرج جميع السكان للترحيب بكريستينا قائلين: «واو، إنها بيضاء!»، أتذكر المرة الأولى التي أخبرت فيها والدي أنني أريد الزواج منها. سأل الأب: هل هي مسلمة؟ وطلبت مني والدتي أن أرسل صورة. وردت عليها بهذا الشكل: «واو! اختيار جيد!» أبي فخور أيضًا. وفي حفل الزفاف كانوا سعداء جدًّا».
أنجب كوناتي من زوجته كريستينا طفلة قرَّر تسميتها ياسمين، وباتت هي الشعلة التي تنير حياته وتجعله يشعر بالسعادة في الأوقات الصعبة التي يعانيها بعد خسارة المباريات.
يصر كوناتي على الالتزام الديني كما علَّمه والده منذ طفولته وهو حريص على أداء الصلوات في كل مكان أو بلد ينتقل إليه يقول عن تدينه: «لقد اهتم والدي بهذا الجانب كثيرًا، ولم أنسَ شيئًا منه، أصلي بانتظام، خلال شهر رمضان، لست وحدي من يصوم بل جميع العائلة، لا أستطيع أن أتخيل الحياة دون التواصل مع الله تعالى، فهو يعطيك هدفًا في الحياة وغذاءً روحيًا، ويشجع التطور الداخلي».
لم يتردد كوناتي كثيرًا في قبول العرض المغري الذي تقدم به نادي الرياض، الذي وجد فيه فرصة كبيرة تنقذه من صقيع وثلوج بلاد الروس التي لم يستطع التأقلم معها، على الرغم من مرور أكثر من خمسة أعوام على مجيئه هناك.